Middle East Eye – ترجمة بلدي نيوز
غرق يوم الجمعة الماضي زورقان آخران للاجئين سوريين على الشواطئ التركية، ولقي أكثر من 40 شخصاً مصرعهم غرقاً، حيث كانوا في طريقهم إلى الجزر اليونانية ومن ثم إلى الأمان المفترض في أوروبا .
وفي ذات الوقت هذا الأسبوع التقى أغنى المصرفيين والسياسيين ورجال الأعمال في العالم في منتجع "دافوس" السويسري في المنتدى الاقتصادي العالمي، وتصريحاتهم ذكرت بكل إخلاص من قبل وسائل الإعلام المبهورة، حيث كانت مناسبة جيدة للسياسيين لإبداء عدم ارتياحهم إزاء أزمة اللاجئين، والتي لا تمثل مشهداً جميلاً .
وأعلن رئيس الوزراء الفرنسي "مانويل فالس" أن أوروبا في خطر قد "يزعزعها تماماّ" إذا تم السماح للاجئين من منطقة الشرق الأوسط وجنوب آسيا بالاستمرار بالمجيء إلى أوروبا.
وفقاً "لفالس"، فإن مفهوم "أوروبا الآن في خطر محدق" هو تكرار لما ردده رئيس الوزراء الهولندي "مارك روت"، والذي استخدم مهرجان الثراء الفاحش في "دافوس" ليعلن أيضاً أن اتفاق شنغن في أوروبا، والذي يسمح بحرية الحركة بين معظم الحدود الوطنية في القارة، قد يلغى خلال شهرين إذا لم يتم إيقاف تدفق اللاجئين إلى أوروبا.
وفي الوقت نفسه صدر قانون جديد في الدنمارك لمواصلة سياستها الصارمة تجاه اللاجئين، مدفوعة بقوة اليمين المتطرف، من خلال مصادرة ممتلكات اللاجئين، بما في ذلك المجوهرات، ولكن استثنيت خواتم الزفاف_ خوفاً من تشبيه ذلك بمعاملة ألمانيا النازية لليهود في عام 1930.
وكانت أوروبا ما بعد الحرب العالمية قد أصدرت قوانين واتفاقات أملاً في منع مثل هذه التصرفات الوحشية والتكلفة الكبيرة التي دفعها الإنسان في الحرب، من أن تتكرر مرة ثانية، ولكن يبدو أن الساسة الأوروبيين على استعداد للتخلص من كل هذه القوانين الآن لحرمان اللاجئين القادمين من أكثر الأماكن بؤساً في العالم من المجيء لأوروبا .
ففي أوروبا الآن، نشهد هجمات واعتداءات على أناس من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، على المسلمين بشكل عام، وبشكل متزايد على اللاجئين أنفسهم، وكثيرا ما كان اليمين المتطرف وراء هذه الهجمات، ولكن هذه الاعتداءات وجدت صداها أيضاً لدى السياسيين الذين باتوا يرددونها في كل مناسبة، مثل فالس وروت، وبالتالي أصبحت تجد الاحترام من قبل الغالبية العظمى من وسائل الإعلام، بما في ذلك الصحافة الليبرالية.
اللاجئون هم، ووفقا لهذه الآراء، مشكلة رئيسية في أوروبا، ولكن في الواقع، العكس هو الصحيح، فالدول الأوروبية هي من شنت حروباً متتالية على منطقة الشرق الأوسط وجنوب آسيا؛ ومنها قدمت الأسلحة إلى المنطقة والتي كانت غالباً ما تأتي على شكل بنية تحتية عسكرية "كمعونة"؛ كما أن الدول الأوروبية هي التي طورت ثقافة العنصرية، والتي تعني أن "الغير أوروبي" الذي يأتي للعيش هناك يعامل كمواطن من الدرجة الثانية ويحرم من الوظائف اللائقة والإسكان والفرص.
ومن أوروبا أيضاً انتشر الاستعمار في أجزاء كبيرة من آسيا وأفريقيا في القرن الـ19 وما بعده، والتي لا تزال باقية كما القوى الاستعمارية السابقة التي لا تزال تتدخل عسكرياً واقتصادياً في تلك البلدان.
وهناك عدد من الحقائق التي لا مفر منها حول أزمة اللاجئين الحالية، واحد منها هو أن أزمتهم مستمدة من الحروب، الحروب التي في معظمها كانت بسبب الدول المعنية مثل بريطانيا وفرنسا، فاللاجئون القادمون من سورية، أو من العراق، أفغانستان وليبيا، أتوا من بلدان تعرضت للقصف أو الغزو من قبل القوى الغربية المحتلة في السنوات الـ 15 الماضية، ولذلك أزمة اللاجئين هي نتيجة هذه الحروب.
يجب أن يكون لكل شخص الحق هرباً من الحروب، وعلى البلدان الغنية أن تلتزم بمساعدتهم، ولكن هذه الالتزامات يتم إلغاءها من قبل الحكومات برعاية من الاتحاد الأوروبي الذي يدعو إلى حرية الحركة، ولكن يميز ذلك على أسس عرقية ووطنية.
كما تسلط هذه المشكلة الضوء على عدم المساواة في العالم، فقد أعلنت منظمة أوكسفام البريطانية قبيل قمة المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس لزعماء العالم، أن ثروة 62 من أغنى أثرياء العالم تعادل نصف ثروات بقية العالم مجتمعة، ومثل هذا التفاوت يجعلنا نسخر من أي ديمقراطية حقيقية، لأنه يعني أن السياسيين يتجهون بشكل متزايد ليكونوا مثل "روبرت مردوخ " و"دونالد ترامب" الفاحشي الثراء، ونفس الساسة يمنعون عن الغالبية العظمى من العالم الحصول على الضروريات الأساسية للحياة.
ولعل أكثر الجوانب الضارة لأزمة اللاجئين هي الطريقة التي تسلط فيها الضوء على العنصرية في كل مستوى من مستويات المجتمع، وكيف يتم إغفال اللاجئ من جدول الأعمال السياسي للأحزاب اليمينية وكيف تطالب الحكومات بالمزيد من التدابير القاسية ضدهم.
ومقارنة مع معاملة اللاجئين في بعض البلدان الأوروبية والتي كانت متوسطة أو عنصرية، مثل بريطانيا، كان هناك كرم نسبي في بلدان مثل ألمانيا والسويد، ولكن هذه المعاملة يتم السخرية منها الآن وتطالب تلك الدول بالقيام بإجراءات أكثر صرامة.
ودول مثل سلوفاكيا والمجر استخدمت سياسات معادية للاجئين المسلمين علناً، مثل الموافقة فقط على اللاجئين المسيحيين، وقد أبدى رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون مشاعر معادية للمسلمين "الإسلاموفوبيا" بادعائه أن بريطانيا بلد مسيحي، وخص النساء المسلمات على وجه التحديد بضرورة تعلم اللغة الإنجليزية.
إن الحروب التي بدأت في العقد الماضي قد ألحقت أضراراً لا تحصى للبلدان المعنية، حيث قتل الملايين وجرح وتشرد الآلاف، والكثير منهم لم يقتربوا حتى من أوروبا، بل هم لاجئون مشردون في مخيمات الدول المجاورة لبلدهم، والساسة الاوروبيون من الواضح جداً أنهم مستعدون لدفع أي شيء مقابل إبقاء هؤلاء اللاجئين هناك في مخيمات تركيا والأردن ولبنان .
كما نتجت عن هذه الحروب أيضاً ضربة إلى السياسة في أوروبا: فقد رافقها ارتفاع في العنصرية ضد المسلمين، والكثير منها الآن تركز على اللاجئين، ويواجه الاقتصاد العالمي تباطؤاً آخر، وربما ما هو أسوأ وهي سياسة التقشف والعنصرية اللتان تعودان الآن بطريقة لم نشهدها منذ ثلاثينيات القرن الماضي، وهذه هي المشكلة التي تواجه أوروبا، وليس محنة اللاجئين الذين كانت جريمتهم الوحيدة هي أن يعانوا طوال سنوات هذه الحرب .